كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال إبراهيم هذه الكلمة التي تقوم بها الحياة. كلمة التوحيد التي يشهد بها الوجود. قالها:
{وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون}.
ولقد كان لإبراهيم عليه السلام أكبر قسط في إقرار هذه الكلمة في الأرض، وإبلاغها إلى الأجيال من بعده، عن طريق ذريته وعقبه. ولقد قام بها من بنيه رسل، كان منهم ثلاثة من أولي العزم: موسى وعيسى ومحمد خاتم الرسل عليهم صلوات الله وسلامه واليوم بعد عشرات القرون يقوم في الأرض أكثر من ألف مليون، من أتباع الديانات الكبرى يدينون بكلمة التوحيد لأبيهم إبراهيم، الذي جعل هذه الكلمة باقية في عقبه، يضل منهم عنها من يضل، ولكنها هي باقية لا تضيع، ثابتة لا تتزعزع، واضحة لا يتلبس بها الباطل {لعلهم يرجعون}.. يرجعون إلى الذي فطرهم فيعرفوه ويعبدوه. ويرجعون إلى الحق الواحد فيدركوه ويلزموه.
ولقد عرفت البشرية كلمة التوحيد قبل إبراهيم. ولكن هذه الكلمة لم تستقر في الأرض إلا من بعد إبراهيم. عرفتها على لسان نوح وهود وصالح وربما إدريس، وغيره من الرسل الذين لم يتصل لهم عقب يقوم على هذه الكلمة، ويعيش بها، ولها. فلما عرفتها على لسان إبراهيم ظلت متصلة في أعقابه؛ وقام عليها من بعده رسل متصلون لا ينقطعون، حتى كان ابنه الأخير من نسل إسماعيل، وأشبه أبنائه به: محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل، وقائل كلمة التوحيد في صورتها الأخيرة الكاملة الشاملة، التي تجعل الحياة كلها تدور حول هذه الكلمة، وتجعل لها أثرًا في كل نشاط للإنسان وكل تصور.
فهذه هي قصة التوحيد منذ أبيهم إبراهيم الذي ينتسبون إليه؛ وهذه هي كلمة التوحيد التي جعلها إبراهيم باقية في عقبه. هذه هي تأتي إلى هذا الجيل على لسان واحد من عقب إبراهيم فكيف يستقبلها من ينتسبون إلى إبراهيم، وملة إبراهيم؟
لقد بعد بهم العهد؛ ومتعهم الله جيلًا بعد جيل، حتى طال عليهم العمر، ونسوا ملة إبراهيم، وأصبحت كلمة التوحيد فيهم غريبة منكرة، واستقبلوا صاحبها أسوأ استقبال وقاسوا الرسالة السماوية بالمقاييس الأرضية، فاختل في أيديهم كل ميزان:
{بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا ورحمة ربك خير مما يجمعون ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفًا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابًا وسررًا عليها يتكئون وزخرفًا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين}.
يُضْرب السياق عن حديث إبراهيم، ويلتفت إلى القوم الحاضرين:
{بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين}.
وكأنه بهذا الإضراب يقول: لندع حديث إبراهيم، فما لهم به صلة ولا مناسبة؛ ولننظر في شأن هؤلاء وهو لا يتصل بشأن إبراهيم.. إن هؤلاء وآباءهم من قبلهم، قد هيأت لهم المتاع ومددت لهم في الأجل، حتى جاءهم الحق في هذا القرآن، وجاءهم رسول مبين، يعرض عليهم هذا الحق في وضوح وتبيين:
{ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون}.
ولا يختلط الحق بالسحر. فهو واضح بين، وإنما هي دعوى، كانوا هم أول من يعرف بطلانها. فما كان كبراء قريش ليغيب عنهم أنه الحق؛ ولكنهم كانوا يخدعون الجماهير من خلفهم، فيقولون: إنه سحر، ويعلنون كفرهم به على سبيل التوكيد، يقولون: {وإنا به كافرون} ليلقوا في روع الجماهير أنهم واثقون مما يقولون؛ فيتبعوهم عن طريق الإيحاء والانقياد. شأن الملأ من كل قوم، في التغرير بالجماهير، خيفة أن يفلتوا من نفوذهم، ويهتدوا إلى كلمة التوحيد التي يسقط معها كل كبير، ولا يعبد ويتقى إلا الله العلي الكبير!
ثم يحكي القرآن تخليطهم في القيم والموازين؛ وهم يعترضون على اختيار الله لمحمد صلى الله عليه وسلم ليحمل إليهم الحق والنور:
{وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم}!.
يقصدون بالقريتين مكة والطائف. ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذؤابة قريش، ثم من ذؤابة بني هاشم. وهم في العلية من العرب. كما كان شخصه صلى الله عليه وسلم معروفًا بسمو الخلق في بيئته قبل بعثته. ولكنه لم يكن زعيم قبيلة، ولا رئيس عشيرة، في بيئته تعتز بمثل هذه القيم القبلية. وهذا ما قصد إليه المعترضون بقولهم: {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم}!
والله أعلم حيث يجعل رسالته. ولقد اختار لها من يعلم أنه لها أهل. ولعله سبحانه لم يشأ أن يجعل لهذه الرسالة سندًا من خارج طبيعتها، ولا قوة من خارج حقيقتها؛ فاختار رجلًا ميزته الكبرى.. الخلق.. وهو من طبيعة هذه الدعوة.. وسمته البارزة.. التجرد.. وهو من حقيقة هذه الدعوة.
ولم يختره زعيم قبيلة، ولا رئيس عشيرة، ولا صاحب جاه، ولا صاحب ثراء. كي لا تلتبس قيمة واحدة من قيم هذه الأرض بهذه الدعوة النازلة من السماء. ولكي لا تزدان هذه الدعوة بحلية من حلى هذه الأرض ليست من حقيقتها في شيء. ولكي لا يكون هناك مؤثر مصاحب لها خارج عن ذاتها المجردة. ولكي لا يدخلها طامع ولا يتنزه عنها متعفف.
ولكن القوم الذين غلب عليهم المتاع، والذين لم يدركوا طبيعة دعوة السماء، راحوا يعترضون ذلك الاعتراض.
{لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم}!
فرد عليهم القرآن مستنكرًا هذا الاعتراض على رحمة الله، التي يختار لها من عباده من يشاء؛ وعلى خلطهم بين قيم الأرض وقيم السماء؛ مبينًا لهم عن حقيقة القيم التي يعتزون بها، ووزنها الصحيح في ميزان الله:
{أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا ورحمة ربك خير مما يجمعون}.
أهم يقسمون رحمة ربك؟ يا عجبًا! وما لهم هم ورحمة ربك؟ وهم لا يملكون لأنفسهم شيئًا، ولا يحققون لأنفسهم رزقًا حتى رزق هذه الأرض الزهيد نحن أعطيناهم إياه؛ وقسمناه بينهم وفق حكمتنا وتقديرنا لعمران هذه الأرض ونمو هذه الحياة.
{نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا}.
ورزق المعاش في الحياة الدنيا يتبع مواهب الأفراد، وظروف الحياة، وعلاقات المجتمع. وتختلف نسب التوزيع بين الأفراد والجماعات وفق تلك العوامل كلها. تختلف من بيئة لبيئة، ومن عصر لعصر، ومن مجتمع لمجتمع، وفق نظمه وارتباطاته وظروفه العامة كلها. ولكن السمة الباقية فيه، والتي لم تتخلف أبدًا حتى في المجتمعات المصطنعة المحكومة بمذاهب موجهة للإنتاج وللتوزيع أنه متفاوت بين الأفراد.
وتختلف أسباب التفاوت ما تختلف بين أنواع المجتمعات وألوان النظم. ولكن سمة التفاوت في مقادير الرزق لا تتخلف أبدًا. ولم يقع يومًا حتى في المجتمعات المصطنعة المحكومة بمذاهب موجهة أن تساوى جميع الأفراد في هذا الرزق أبدًا: {ورفعنا بعضهم فوق بعضه درجات}.
والحكمة في هذا التفاوت الملحوظ في جميع العصور، وجميع البيئات، وجميع المجتمعات هي:
{ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا}.
ليسخر بعضهم بعضًا.. ودولاب الحياة حين يدور يسخر بعض الناس لبعض حتما. وليس التسخير هو الاستعلاء.. استعلاء طبقة على طبقة، أو استعلاء فرد على فرد.. كلا! إن هذا معنى قريب ساذج، لا يرتفع إلى مستوى القول الإلهي الخالد. كلا! إن مدلول هذا القول أبقى من كل تغير أو تطور في أوضاع الجماعة البشرية؛ وأبعد مدى من ظرف يذهب وظرف يجيء.. إن كل البشر مسخر بعضهم لبعض. ودولاب الحياة يدور بالجميع، ويسخر بعضهم لبعض في كل وضع وفي كل ظرف.
المقدر عليه في الرزق مسخر للمبسوط له في الرزق. والعكس كذلك صحيح. فهذا مسخر ليجمع المال، فيأكل منه ويرتزق ذاك. وكلاهما مسخر للآخر سواء بسواء. والتفاوت في الرزق هو الذي يسخر هذا لذاك، ويسخر ذاك لهذا في دورة الحياة.. العامل مسخر للمهندس ومسخر لصاحب العمل. والمهندس مسخر للعامل ولصاحب العمل. وصاحب العمل مسخر للمهندس وللعامل على السواء.. وكلهم مسخرون للخلافة في الأرض بهذا التفاوت في المواهب والاستعدادات، والتفاوت في الأعمال والأرزاق.
وأحسب أن كثيرين من دعاة المذاهب الموجهة يتخذون من هذه الآية موضع هجوم على الإسلام ونظمه الاجتماعية والاقتصادية. وأحسب أن بعض المسلمين يقفون يجمجمون أمام هذا النص، كأنما يدفعون عن الإسلام تهمة تقرير الفوارق في الرزق بين الناس، وتهمة تقرير أن الناس يتفاوتون في الرزق ليتخذ بعضهم بعضًا سخريا!
وأحسب أنه قد آن لأهل الإسلام أن يقفوا بإسلامهم مواجهة وصراحة موقف الاستعلاء المطلق، لا موقف الدفاع أمام اتهام تافه! إن الإسلام يقرر الحقائق الخالدة المركوزة في فطرة هذا الوجود؛ الثابتة ثبات السماوات والأرض ونواميسها التي لا تختل ولا تتزعزع.
وطبيعة هذه الحياة البشرية قائمة على أساس التفاوت في مواهب الأفراد والتفاوت فيما يمكن أن يؤديه كل فرد من عمل؛ والتفاوت في مدى اتقان هذا العمل. وهذا التفاوت ضروري لتنوع الأدوار المطلوبة للخلافة في هذه الأرض. ولو كان جميع الناس نسخًا مكرورة ما أمكن أن تقوم الحياة في هذه الأرض بهذه الصورة. ولبقيت أعمال كثيرة جدًا لا تجد لها مقابلًا من الكفايات، ولا تجد من يقوم بها والذي خلق الحياة وأراد لها البقاء والنمو، خلق الكفايات والاستعدادات متفاوتة تفاوت الأدوار المطلوب أداؤها. وعن هذا التفاوت في الأدوار يتفاوت الرزق.. هذه هي القاعدة.. أما نسبة التفاوت في الرزق فقد تختلف من مجتمع إلى مجتمع، ومن نظام إلى نظام. ولكنها لا تنفي القاعدة الفطرية المتناسقة مع طبيعة الحياة الضرورية لنمو الحياة. ومن ثم لم يستطع أصحاب المذاهب المصطنعة المتكلفة أن يساووا بين أجر العامل وأجر المهندس، ولا بين أجر الجندي وأجر القائد. على شدة ما حاولوا أن يحققوا مذهبهم. وهزموا أمام الناموس الإلهي الذي تقرره هذه الآية من كلام الله. وهي تكشف عن سنة ثابتة من سنن الحياة.
ذلك شأن الرزق والمعاش في هذه الحياة الدنيا. ووراء ذلك رحمة الله:
{ورحمة ربك خير مما يجمعون}.
والله يختار لها من يشاء، ممن يعلم أنهم لها أهل. ولا علاقة بينها وبين عرض الحياة الدنيا؛ ولا صلة لها بقيم هذه الحياة الدنيا. فهذه القيم عند الله زهيدة زهيدة. ومن ثم يشترك فيها الأبرار والفجار، وينالها الصالحون والطالحون. بينما يختص برحمته المختارين.
وإن قيم هذه الأرض لمن الزهادة والرخص بحيث لو شاء الله لأغدقها إغداقًا على الكافرين به.
ذلك إلا أن تكون فتنة للناس، تصدهم عن الإيمان بالله:
{ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفًا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابًا وسررًا عليها يتكئون وزخرفًا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين}.
فهكذا لولا أن يفتتن الناس. والله أعلم بضعفهم وتأثير عرض الدنيا في قلوبهم لجعل لمن يكفر بالرحمن صاحب الرحمة الكبيرة العميقة بيوتًا سقفها من فضة، وسلالمها من ذهب. بيوتًا ذات أبواب كثيرة. قصورا. فيها سرر للاتكاء، وفيها زخرف للزينة.. رمزًا لهوان هذه الفضة والذهب والزخرف والمتاع؛ بحيث تبذل هكذا رخيصة لمن يكفر بالرحمن!
{وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا}.
متاع زائل، لا يتجاوز حدود هذه الدنيا. ومتاع زهيد يليق بالحياة الدنيا.
{والآخرة عند ربك للمتقين}.
وهؤلاء هم المكرمون عند الله بتقواهم؛ فهو يدخر لهم ما هو أكرم وأبقى؛ ويؤثرهم بما هو أقوم وأغلى. ويميزهم على من يكفر بالرحمن، ممن يبذل لهم من ذلك المتاع الرخيص ما يبذله للحيوان!
وإن عرض الحياة الدنيا الذي ضرب الله له بعض الأمثال من المال والزينة والمتاع ليفتن الكثيرين. وأشد الفتنة حين يرونه في أيدي الفجار، ويرون أيادي الأبرار منه خالية؛ أو يرون هؤلاء في عسر أو مشقة أو ابتلاء، وأولئك في قوة وثروة وسطوة واستعلاء. والله يعلم وقع هذه الفتنة في نفوس الناس. ولكنه يكشف لهم عن زهادة هذه القيم وهوانها عليه؛ ويكشف لهم كذلك عن نفاسة ما يدخره للأبرار الأتقياء عنده. والقلب المؤمن يطمئن لاختيار الله للأبرار وللفجار.
وأولئك الذين كانوا يعترضون على اختيار الله لرجل لم يؤت شيئًا من عرض هذه الحياة الدنيا؛ ويقيسون الرجال بما يملكون من رياسة، أو بما يملكون من مال. يرون هذه الآيات هوان هذه الأعراض وزهادتها عند الله. وأنها مبذولة لشر خلق الله وأبغضهم عند الله. فهي لا تدل على قربى منه ولا تنبئ عن رضى، ولا تشي باختيار!
وهكذا يضع القرآن الأمور في نصابها؛ ويكشف عن سنن الله في توزيع الأرزاق في الدنيا والآخرة؛ ويقرر حقيقة القيم كما هي عند الله ثابتة. وذلك في صدد الرد على المعترضين على رسالة محمد؛ واختياره. واطراح العظماء المتسلطين!
وهكذا يرسي القواعد الأساسية والحقائق الكلية التي لا تضطرب ولا تتغير؛ ولا تؤثر فيها تطورات الحياة، واختلاف النظم، وتعدد المذاهب، وتنوع البيئات. فهناك سنن للحياة ثابتة، تتحرك الحياة في مجالها؛ ولكنها لا تخرج عن إطارها. والذين تشغلهم الظواهر المتغيرة عن تدبر الحقائق الثابتة، لا يفطنون لهذا القانون الإلهي، الذي يجمع بين الثبات والتغير، في صلب الحياة وفي أطوار الحياة؛ ويحسبون أن التطور والتغير، يتناول حقائق الأشياء كما يتناول أشكالها.
ويزعمون أن التطور المستمر يمتنع معه أن تكون هناك قواعد ثابتة لأمر من الأمور؛ وينكرون أن يكون هناك قانون ثابت غير قانون التطور المستمر. فهذا هو القانون الوحيد الذي يؤمنون بثباته! فأما نحن أصحاب العقيدة الإسلامية فنرى في واقع الحياة مصداق ما يقرره الله من وجود الثبات والتغير متلازمين في كل زاوية من زوايا الكون، وفي كل جانب من جوانب الحياة. وأقرب ما بين أيدينا من هذا التلازم ثبات التفاوت في الرزق بين الناس، وتغير نسب التفاوت وأسبابه في النظم والمجتمعات.. وهذا التلازم مطرد في غير هذا المثال.
ولما بين زهادة أعراض الحياة الدنيا وهوانها على الله؛ وأن ما يعطاه الفجار منها لا يدل على كرامة لهم عند الله، ولا يشير إلى فلاح؛ وأن الآخرة عند ربك للمتقين، استطراد يبين مصير أولئك الذين قد ينالون تلك الأعراض، وهم عمي عن ذكر الله، منصرفون عن الطاعات التي تؤهلهم لرزق الآخرة المعد للمتقين:
{ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطانًا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون}.